فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال عبد الكريم الخطيب:

{إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)}.
التفسير:
مناسبة ذكر إبراهيم- عليه السلام- هنا في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا}. هو ما ذكر في الآيات السابقة من موقف المشركين واليهود، من أحكام اللّه، في حلّ المطاعم وحرمتها..
ولما كان كلّ من المشركين واليهود ينتسب إلى إبراهيم- عليه السلام- ويدّعى كل منهم أنه على دينه- فناسب هذا أن يذكر إبراهيم- عليه السلام- ويذكر دينه الذي كان عليه، وإيمانه بربه، وشكره لنعمائه، الأمر الذي لم يستقم عليه أي من الفريقين من أبنائه.
فإبراهيم- عليه السلام- كان أمة، أي كان مجتمعا وحده، يؤمن باللّه، بين مجتمعات كلها على الشرك والكفر.. فهو بهذه الصفة يمثل أمة مميزة عن غيرها، بالإيمان، تقابل تلك الأمم التي تمثل الكفر.. فهو الإنسان المؤمن، الذي يقابل بإيمانه الكفر والكافرين جميعا.
وكان إبراهيم مع إيمانه باللّه قانتا، أي خاشعا للّه، مسلما أمره له.، وكان {حنيفا} أي مائلا عن طرق الضلال والكفر.. {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي لم يشرك باللّه أبدا، ولم تستجب فطرته لأن يعبد ما كان يعبد أبوه وقومه، فنشأ مجانبا لهذه الضلالات، عازفا عنها.
وفى وصف إبراهيم عليه السلام بأنه كان {حنيفا} إشارة إلى أن المجتمع الذي كان يعيش فيه إبراهيم كان مجتمعا يسير على طرق الكفر والشرك، حتى لكأن ذلك هو وجهة الحياة في زمنه، وحتى لكأن الخروج على هذه الوجهة، يعدّ ميلا وانحرافا.، وهذا مما يعظم من شأن إبراهيم، ويرفع قدره في العالمين، بين أتباع الحق، وأهل الإيمان.. فقد خرج إبراهيم بإيمانه عن هذا الإجماع المطلق، وشق لنفسه ثقبا في هذا الحائط الصفيق، المضروب حوله من الكفر، ونفذ إلى عالم النور! ولهذا استحق إبراهيم بأن يوصف هذا الوصف الكريم من ربه، بأن كان حنيفا.، والحنيف هو المائل.، ولكنه هنا ميل إلى الحق والهدى والإيمان.، ولهذا أيضا اختصّ إبراهيم- عليه السلام- بهذا الوصف دون سائر الأنبياء.. إذ كان أمة وحده.
ـ وفى قوله تعالى: {وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} تعريض بالمشركين من أهل مكة، إذ كانوا يدّعون أنهم على شريعة أبيهم إبراهيم.. فكيف يكونون على شريعته، وهم مشركون، وهو الحنيف، الذي لم يكن في يوم من أيامه من المشركين؟
وقوله تعالى: {شاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
هو معطوف على خبر كان في قوله تعالى: {كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} أي وكان شاكرا لأنعم ربه، إذ اجتباه ربه، أي اصطفاه لرسالته، وأخرجه من عالم الكفر المتكاثف حوله، وهداه إلى الحق، والخير، والإيمان..
وفى هذا تعريض باليهود، الذين خرجوا على شريعة أبيهم إبراهيم خروجا صارخا، فكفروا بأنعم اللّه، ومكروا بآياته، وكذبوا رسله، وتنكبوا طريق الحق، وركبوا طرق الضلال.
قوله تعالى: {وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}.
هو عطف على قوله تعالى: {اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} وفى الحديث عن اللّه سبحانه وتعالى بضمير الغيبة في قوله تعالى: {اجْتَباهُ وَهَداهُ}. ثم الحديث عنه تعالى بضمير الحضور {وآتيناه}. إشارة إلى تلك المنزلة التي بلغها إبراهيم عند ربه، بعد أن اصطفاه لرسالته، وهداه إلى دينه.. فقد استقام إبراهيم على هذا الطريق المستقيم، مجتهدا في الطاعة، مخلصا في العبادة، حتى اتخذه اللّه سبحانه وتعالى خليلا له، وأقبل عليه بعطاياه ومننه: {وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً}. فهو عطاء كريم تناوله من ربه من غير واسطة.
والحسنة التي آتاها اللّه سبحانه وتعالى إبراهيم، هي على إفرادها وتنكيرها، تسع ببركتها وخيرها، الناس جميعا.، ومن ثمرات هذه الحسنة هذا الذّكر الطيب الذي لإبراهيم في هذه الدنيا، حيث كان من ذريته الأنبياء، ومنهم:
موسى، وعيسى، ومحمد، أصحاب الرسالات السماوية التي يدين بها المؤمنون باللّه!.
وفى قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} إشارة إلى ما لإبراهيم عند اللّه في الآخرة.. فهو عند اللّه من الصالحين، الذين سلموا من كل سوء، فاستحقوا منازل الرحمة والرضوان..
قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
العطف بثم هنا، إشارة إلى الفاصل الزمنى بين رسالة إبراهيم، ورسالة محمد، عليهما الصلاة والسلام.، وليس هذا الفاصل الزمنى على امتداده بالذي يفصل بين حقيقة الرسالتين، فهما من معدن واحد.. بل هما شيء واحد، في الأصل الذي قامتا عليه، وهو توحيد اللّه، وإخلاص العبودية.
قوله تعالى: {إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
السبت هو اليوم الذي جعله اللّه لبني إسرائيل، يوم طاعة وعبادة، يتخففون فيه من شئون الحياة الدنيا، ويراجعون أنفسهم فيما وقع منهم من سيئات، خلال أيام الأسبوع الستة.، وبذلك يمكن أن يجد الواحد منهم فرصته في إصلاح نفسه، وتصحيح أخطائه، قبل أن يمضى بها الزمن فينساها، أو تكثر ويزحم بعضها بعضا، فيعجز عن معالجتها، وتفتر عزيمته عن لقائها..
هكذا كان يوم السبت، لبني إسرائيل، يوما خالصا للّه، وفرصة مهيأة للتطهر من الآثام، والتخفف من الذنوب.. شأنهم في هذا شأن النصارى في يوم الأحد، والمسلمين في يوم الجمعة.. فهذا اليوم من كل أسبوع، هو أشبه بالمنازل التي ينزلها المسافر خلال رحلة طويلة شاقة، حيث تتهيّأ له في هذا المنزل فرصة للراحة والاستجمام، والتزود بالماء والطعام، وإصلاح أدوات السفر ومعدّاته، إلى غير ذلك مما يعين المسافر على قطع المرحلة القادمة، من رحلته.، وهكذا..
حتى تنتهى الرحلة، ويلقى عصا التسيار!..
ولو أحسن بنو إسرائيل استقبال هذا اليوم، واستقاموا على ما أمرهم اللّه به فيه- لكان لهم من ذلك خير كثير في دينهم ودنياهم جميعا.، ولكنهم مكروا بنعمة اللّه وكفروا بها، شأنهم في هذا هو شأنهم مع كل نعمة أنعم اللّه بها عليهم، فخانوا اللّه في هذا اليوم، وجعلوه يوم لهو، وعربدة.. فجعله اللّه نقمة عليهم، وابتلاهم فيه بتحريم، صيد البحر، فلما لم يستقيموا مع هذا الأمر، ضاعف عليهم البلاء، فأمسك عنهم السمك أن يجدوه في البحر إلا يوم السبت، وبهذا وضعهم اللّه أمام هذا البلاء، وأوقعهم في هذا الحرج.. فإن صادوا في يوم السبت أثموا، وإن لم يصيدوا حرموا الصيد أبدا.، وفى هذا يقول اللّه تعالى: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ}. [163: الأعراف] ولم يحتمل القوم هذا البلاء.. فاعتدوا في السبت، وصادوا فيه ما حرم اللّه عليهم صيده.. فأخذهم اللّه بعذابه، وأوقع بهم نقمته.. فمسخهم اللّه، وألبسهم طبائع القردة، كما يقول اللّه سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ}. [65: البقرة].
وأكثر من هذا فإن اللّه قد حرم عليهم أن يعملوا في هذا اليوم عملا، وأن يتحولوا إلى جمادات لا حس لها ولا شعور، وفى هذا تقول التوراة: اذكر يوم السبت لتقدسه ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك لا تصنع عملا ما، أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع. لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه.
هكذا تقول التوراة في الأصحاح العشرين من سفر الخروج، ولكن بني إسرائيل لم يستقيموا على هذا الأمر ولم يحتملوا الصبر على هذا التكليف، الذي لا حرج فيه.، ولا إعنات، فكثرت حوله تأويلاتهم الفاسدة، حتى أبطلوا الأثر الطيب الذي كان سيعود عليهم منه.، ولهذا جاءهم اللّه سبحانه وتعالى بما هو أشقّ وأمرّ، نكاية بهم، ولعنة لهم.. فكان حكم التوراة بعد هذا هو: ستة أيام يعمل كل عمل وأما اليوم السابع ففيه يكون لكم سبت عطلة مقدس للرب كل من يعمل فيه عملا يقتل لا تشعلوا نارا في جميع مساكنكم يوم السبت، هكذا تقول التوراة في الإصحاح الخامس والثلاثين من سفر الخروج، فالعمل في يوم السبت، يوجب على اليهودي القتل، وهذا ابتلاء عظيم من اللّه سبحانه، لهذا القطيع المعربد، حتى يكونوا من هذا الابتلاء بين أمرين، أحلاهما مر.. فإن عملوا أي عمل في يوم السبت، ولو في دفع عدوّ مغير عليهم وقعوا تحت حكم اللّه، وهو استحقاقهم للقتل، وإن لم يعملوا كانوا صيدا دانيا لكل من يريد اقتناصه..
وفى قوله تعالى: {إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ}. هو بيان لما حل ببني إسرائيل بافترائهم على اللّه في يوم السبت، وخروجهم على حكم الشريعة فيه، بما تأوّلوا من تأويلات فاسدة، أملتها عليهم أهواؤهم، فكان لكل جماعة منهم رأى فيه، وكلها آراء فاسدة قائمة على الهوى..
ـ وفى تعدية الفعل {جعل} بحرف الجر {على} إشارة إلى أن هذا اليوم جعل لعنة على بني إسرائيل، بعد أن كان رحمة لهم.. فما كان للإنسان، فهو خير، وما كان عليه فهو شر، كما يقول اللّه تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} [286: البقرة] وقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} تهديد لليهود، وأنهم سيؤخذون بآثامهم التي حملوها معهم، من تلك الخلافات التي وقعت بينهم في شريعة اللّه الواضحة الصريحة، التي لا تحتمل تأويلا، ولا تثير خلافا، إلا حيث تتنازعها الأهواء، وتتوارد عليها النظرات الزائغة والعقول السقيمة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)}.
استئناف ابتدائي للانتقال إلى غرض التّنويه بدين الإسلام بمناسبة قوله: {ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} [سورة النحل: 119]. المقصودِ به أنّهم كانوا في الجاهلية ثم اتّبعوا الإسلام، فبعد أن بشرهم بأنه غفر لهم ما عملوه من قبل زادهم فضلًا ببيان فضل الدين الذي اتّبعوه.
وجُعل الثناء على إبراهيم عليه السلام مقدّمة لذلك لِبيان أن فضل الإسلام فضْل زائد على جميع الأديان بأن مبدأه برسول ومنتهاه برسول.
وهذا فضل لم يحظ به دين آخر.
فالمقصود بعد هذا التمهيد وهاته المقدّمة هو الإفضاء إلى قوله: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا} [سورة النحل: 123]، وقد قال تعالى في الآية الأخرى: {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل} [سورة الحج: 78].
والأصل الأصيل الذي تفرّع عنه وعن فروعه هذا الانتقالُ ما ذكر في الآية قبلها من تحريم أهل الجاهلية على أنفسهم كثيرًا مما أنعم الله به على الناس.
ونظّرهم باليهود إذ حرّم الله عليهم أشياء، تشديدًا عليهم، فجاء بهذا الانتقال لإفادة أن كلا الفريقين قد حادوا عن الحنيفية التي يزعمون أنهم متابعوها، وأن الحنيفية هي ما جاء به الإسلام من إباحة ما في الأرض جميعًا من الطيّبات، إلا ما بيّن الله تحريمه في آية {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرمًا} [سورة الأنعام: 145]. الآية.
وقد وُصف إبراهيم عليه السلام بأنه كان أمّة.
والأمّة: الطائفة العظيمة من الناس التي تجمعها جهة جامعة.
وتقدم في قوله تعالى: {كان الناس أمّة واحدة} في سورة البقرة (213).
ووصفُ إبراهيم عليه السلام بذلك وصفٌ بديع جامع لمعنيين:
أحدهما: أنه كان في الفضل والفتوة والكمال بمنزلة أمّة كاملة.
وهذا كقولهم: أنت الرجل كل الرجل، وقول البحْتري:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتًا ** لدى الفضل حتى عُدّ ألفٌ بواحد

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَعاذٌ أمّة قانتٌ لله».
والثاني: أنه كان أمّة وحده في الدين لأنه لم يكن في وقت بعثته، موحّدٌ لله غيره.
فهو الذي أحيا الله به التوحيد، وبثّه في الأمم والأقطار، وبنَى له معلمًا عظيمًا، وهو الكعبة، ودعا الناس إلى حجّه لإشاعة ذكره بين الأمم، ولم يزل باقيًا على العصور.
وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم في خَطر بن مالك الكاهن: {وأنه يبعث يوم القيامة أمّةً وحدَه} رواه السهيلي في الروض الأنف.
ورأيت رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه المقالة في زيد بن عَمرو بن نُفيل.
والقانت: المطيع.
وقد تقدم في قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} في سورة البقرة (238).
واللام لام التقوية لأن العامل فرع في العمل.
والحنيف: المجانب للباطل.
وقد تقدم عند قوله: {قل بل ملّة إبراهيم حنيفًا} في سورة البقرة (135)، والأسماء الثلاثة أخبار {كان} وهي فضائل.
{ولم يك من المشركين} اعتراض لإبطال مزاعم المشركين أن ما هم عليه هو دين إبراهيم عليه السلام.
وقد صوّروا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يستقسمان بالأزلام ووضعوا الصورة في جوف الكعبة، كما جاء في حديث غزوة الفتح، فليس قوله: {ولم يك من المشركين} مسوقًا مساق الثناء على إبراهيم ولكنه تنزيه له عمّا اختلقه عليه المبطلون.
فوزانه وزان قوله: {وما صاحبكم بمجنون} [سورة التكوير: 22].
وهو كالتأكيد لوصف الحنيف بنفي ضدّه مثل {وأضلّ فرعون قومه وما هدى} [سورة طه: 79].
ونُفي كونه من المشركين بحرف {لم} لأن {لم} تقلب زمن الفعل المضارع إلى الماضي، فتفيد انتفاء مادة الفعل في الزمن الماضي، وتفيد تجدّد ذلك المنفي الذي هو من خصائص الفعل المضارع فيحصل معنيان: انتفاء مدلول الفعل بمادته، وتجدّد الانتفاء بصيغته، فيفيد أن إبراهيم عليه السلام لم يتلبّس بالإشراك قط، فإن إبراهيم عليه السلام لم يشرك بالله منذ صار مميّزًا، وأنه لا يتلبّس بالإشراك أبدًا.